وقد أضيف الكثير إلى كتب الأطفال بإنشاء " لجنة كتب الأطفال " عام 1945 – بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية – وتنوعت الهيئات العاملة في هذا المجال وكثرت ، إلا أن الحركة النقدية التي صاحبت ظهور كتب الأطفال ما بين 1920 – 1940 وصلت إلى ذروة لم تصلها عمليات النقد فيما بعد ، إذ ظهرت دوريات متعددة ، كما أن الصحف اليومية حفلت بالكثير من الأعمدة التي ظهرت تتحدث عن كتب الأطفال في مجال النقد أسماء لامعة .
آنى كارول مورى ، مارى لامبروتون بيكر ، آنى تاكسترايتون ، ماريون كانبأي .
وبالطبع لم يظهر كتاب جديد خلال الحرب ، وإن ظهرت كتب كثيرة جيدة ألفها ورسـمها هؤلاء الذين رسخت أقدامهم من قبل في هذا المجال وطغت المشاعر الوطـنية على الكثير من الأعمال ، وأقل القليل منها عاش وبقى ولم يقف النقاد عندها طـويلا ، وإن بقى الأطفـال مقبلين على القراءة التي جاءتهم من السنين الخصـبة الماضية .. وبعد الحرب استقبلت أمريكا كثيرين من الوافـدين الذين عملوا في مجال كتب الأطفـال في بلادهم كمؤلفين أو رسـامين ومن لم يذهب منهم إلى أمريكا مضت إليها أعمـاله ، خاصة وقد ازدهرت حركة الترجمة ، وكانت الحكايات التي تدور حول الأسرة تلقى اهتماما واسـعا لواقعيتها ، كما أن الفانتزى والشعر كان لهما متذوقون ، كما اتسعت دائرة الكتب المصورة وتنوعت .. مع أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات ظهر اتجـاهان جديدان .. زادت سـلاسل الكتب غير الروائية وغير القصصية ، كما انتشرت قدامى كتب الأطفـال التي اجتذبت إليها إعدادا كبيرة ، خاصـة بين الأولاد ، واستمرت الخدمات المكتبية العامة للأطفـال وإن عانت من قلة العاملين فيها ، الأمر الذي أضطـر بعضها إلى إلغاء فقرة ( رواية الحكايات ) بواسطة أمناء المكتبات ، وكانت هذه الفترة تجتذب كثيرين إلى المكتبة لتدريبهم على ارتيادها ، والتعامل معها ، لتخلق منهم قراء في المستقبل .. أما في المدارس ، فقد أنصب الاهتمام على طلاب المرحلة الثانوية أما تلاميذ المدارس الابتدائية فكانت الخدمة المكتبية إذا امتدت إليهم تعتبر جانبا من مسئوليات المكتبات العامة التي تعير فصلا دراسيا مجموعة من الكتب أو تستضيف الفصل داخل المكتبة .. كان هذا قبل عام 1930 ، حين أنشأت مكتبة مركزية في المدرسة ، بعد أن دارت مناقشات مستفيضة حول أيهما أفضل مكتبة الفصل أم مكتبة المدرسة ، إلى أن انتصرت فكرة تبنى المدرسة للمكتبة ، وساعد على قيام هذه المكتبات إقبال الكثيرين على العمل كأمناء مكتبات ، بجانب ميزانيات المحليات التي رصدت لإنشاء المكتبات وتزويدها بالكتب .. وإن لم تلقى هذه المكتبات المدرسية نفس ما لقيته المكتبات العامة من عناية ، إذ كانت الأولى جزءا من المدرسة ، لا أكثر ، وهناك تعقيدات كثيرة حالت دون نموها بشكل كبير إلى أن انتهت الحرب العالمية الثانية ..
وفي عام 1950 وضعت لها الخطط والبرامج ، وفي عام 1960 وافق الكونجرس على تشريع خاص بها ، كان وراء ازدهارها في السنوات الأخيرة ، ولقي أمناء المكتبات تدريبا أفضل ، وتخصصا في عملهم ، وأصبحت هناك ميزانيات لبناء مكتبات مدرسية ، وإعطاء منح دراسية لمن يرغبون في المشاركة في هذا العمل ، كما أن أبحاثا ميدانية كثيرة أجريت لحل المشكلات على الطبيعة ، بجانب رصد الميزانيات لتزويدها بالكتب والمواد التعليمية .
وقد استفادت المكتبات المدرسية كثيرا من ذلك التشريع ، ووضعت مواصـفات عامة لها طبقت في أغلب الولايات ، وواكب ذلك اهتمام من جانب المنظمات والمؤسسـات والشركات لتقديم خدماتها ، خاصة في الفترة التي حدث فيها الانفجار المعرفي بل تخصص البعض في إنتاج ما تحتـاج إليه هذه المكتبات من رفوف ، ومقـاعد ، ومناضد ، ودواليب ، وبطاقـات إلى غير ذلك من مما ييسـر لها عملها ويعينها عليه .. كما أن مئات من قوائم كتب الأطفال بدأت تظهر من دور النشـر المختلفة لتواجه كل رغبات الأطفـال واحتياجات المدارس ، على أن المشكلة ظلت تكمن ولفترة طالت في قلة العاملين وندرتهم ، لأن المكتبة بدون العنصر البشرى لا تستطيع أن تؤدى دورها ، لعدم وجود من يرشد الأطفال إلى الكتب التي يقرؤونها.
وكان نجاح المكتبات المدرسية في اقتناء الكتب الخاصة بالأطفال هو السبيل إلى إنفاق ملايين الدولارات لشرائها ، مما جعل عجلة إصدار هذه الكتب تدور بشكل أسرع ، بل كثيرا ما لا تستطيع دور النشر الوفاء بمتطلبات هذه المكتبات ! ، وبالذات من الكتب التي يشتد عليها إقبال الأطفال .. بل أن بعض دور النشر تطبع ما تلقاه من تكليفات من الأجهزة التعليمية ، وبالذات من الكتب غير الروائية ، وكل الأعمار قادرة الآن على إختيار ما تشاء من كتب في مجالات العلوم والفنون والآداب ، بجانب الكتب المبسطة السهلة القراءة للأعمار الصغيرة وهى قد بدأت تحتل مكان الكتب الدراسية المقررة .. وهناك كتابان قديمان مازالا يجتذبان أنظار الأطفال من هذا اللون وهما : ( الدب الصغير ) كتبته " الزاهوبيلند " و ( قطة في قبعة ) عن " د. سويس " .
وهناك اتجاهان قد ظهرا أخيرا دون من جانب الحكومة الفيدرالية الأمريكية .. الأول إحساس المؤلفين والرسامين والمحررين وأمناء المكتبات بوجود نقص كبير في الكتب التي تدور حول الأقليات ، خاصة الزنوج .. وقد أصبحت منذ عام 1983 هناك قائمة – تزداد عاما بعد عام – من الكتب التي تتحدث عن الزنوج للأطفال ، والثاني الاهتمام بالطبقات التي لا تستطيع شراء الكتاب ، وظهرت لهؤلاء طبعات شعبية رخيصة ، وإن كانت جميلة المظهر ، وجذابة .. وقد انتشرت بشكل كبير إلى وقت قريب .. ثم بدأت تنحسر الموجة كي تعود الكتب ذات الأغلفة السميكة المقواه .
ولقد كان لى فرصة إلقاء نظرة طائر – كما يقولون – على كتب الأطفال في الولايات المتحدة ، من خلال زيارة لها ( أكتوبر – نوفمبر 1983 ) ، لكي أواكب ما يجرى على ساحتها ، ولتضييق الهوة بين ما نقرأ عنها ، وبين حقيـقة واقعها ، وإذا بالواقع يتجاوز ما ينشر ويكتب رغم المحاولات الدؤوبة للمتابعة والمواكبة ، إن ما صدر في أمريكا للأطفـال يزيد عدده على مائة ألف كتاب للأطفال ، وهى قرابة 30% مما صـدر من كتب الأطفال عالميا ، الأمر الذي ندرك منه حفـاوتهم بكتاب الطفل ، لأن عدد الأطفال لديهم لا يزيد كثيـرا عن عددهم في الوطن العربي .. وكتبنا لا تصل إلى أربعة آلاف كتاب ! .. وعدد النسخ المطبوعة لديهم بالنسبة لما عندنا أضعـاف مضاعفة .. وأعرف أن المقارنة غير واردة ، ولكننا نتحدث عن " المستقبل " .. أنهم يهيئون أطفالهم للاستمرار في التفوق على العالم بهذه الطريقة .
المصدر :
مركز تنمية الكتاب العربي - الهيئة المصرية العامة للكتاب
الحلقة الدراسية الإقليمية لعام 1984كـتب الأطفـال ومجـلادتهم في الدول المتقـدمة