البعض يرى أن الفترة الذهبية لأدب الأطفال في أمريكا تقع ما بين : 1920 – 1950 ، ويركزها آخرون فيما بين 1925 – 1940 .. ، والكتب التي ظهرت في تلك الفترة مازالت تلقى الإقبال ، والسر في ذلك ليس حماسة الآباء والكبار لها ، ولكن نظرة فاحصة إلى مكتبة حديثة للأطفال ، تزدحم بهم ، سنجدهم تلقائيا يتجهون إلى اختيارها في طبعاتها الجديدة .. ولا شك أن ( هورن بوك مجازين ) التي ظهرت عام 1924 من أسباب ازدهار كتب الأطفال في هذه الفترة ، فقد صدرت بجهد كبير بذله الإتحاد النسائي ومس " بيرتا ماهونى " بالذات ، وكانت تعد قوائم كتب الأطفال بشكل دائم ومستمر ولكنها أحست أن الأمر يحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك ، إن يتحدث الفنانون والكتاب وأمناء المكتبات عن هذه الكتب ، لذلك صدرت هذه المجلة الفريدة في الوقت المناسب ، ومازالت تصدر إلى يومنا هذا ، أي على مدى ستين عاما كاملا ، كجانب ضروري من جوانب الاهتمام بكتب الأطفال .. وهناك حدث آخر كبير وقع في تلك الفترة ، نعنى به إنشـاء جائزة نيوبرى لكتب الأطفال عام 1922 ، وتمنح لأحسن كتاب يصدر للطفل ، ويكتبه مواطن أمريكي ، أو شخص مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية ، والجائزة سنويا يمنحها اتحاد أمناء المكتبات عن أحسن كتاب صدر في العام السابق ، وكان أول من حصل عليها " فاندريك فان دى لون " عام 1922 عن كتابه ( قصة البشرية ) ( ترجمه إلى العربية الأستاذ / إبراهيم زكى خورشيد ، وصدر عد دار الشعب غير أن أسلوب ترجمة الكتاب ليست في مستوى الأطفال بل يتجاوزهم كثيرا ) ومنذ ذلك الحين تنعقد لجنة من 17 شخصا لتختار الفائز بهذه الجائزة في كل عام ، وإن كان يقال أن الكتب الفائزة بهذه الجائزة هى الكتب التي يود الكبار أن يقرأها الأطفال ، وليست الكتب التي يستمتع الأطفال بقراءتها .. على أن هذه الفكرة ذاتها تناقش كثيرا ، وتثرى عاما بعد عام حقل كتب الأطفال بمزيد من الآراء والاتجاهات المفيدة والمثمرة .
وكتب هذه الفترة يمكن تقسيمها إلى مرحلتين ..
الأولى 1920 – 1930 ، وهى مرحلة واكبت تقدم الطباعة ، والتجارب المتنوعة للكتب بأشكالها المختلفة ، ومحاولة دءوبة للوصول إلى عالمية الأفكار المتداولة في هذا المجال .
والثانية 1930 – 1940 ، وكانت سنوات الكتب المرسومة المصورة وقصص " هنا والآن " والقصص التاريخية الحية ، والقصص العائلية الواقعـية ، وطبعات جديدة رائعة من القصص الشعبى القديم ، بجانب الخيال الجديدة ، والسير ، والعلوم .. إنها كتب تحترم موضوعها وقارئها ، إنها في إيجاز ثروة من الكتابة الرائعة تلقى الإقبال الكبير والاستجابة الشديدة من قبل الأطفال ..
وقد قامت معركة حول كتب الحكايات الخرافية للأطفال – في أمريكا كما حدث ذلك في كل أنحاء الدنيا– وتجسدت وجهتا النظر في كتابين في بداية العشرينات .. الأول : قصص " هنا و الآن "عن ( لوسي سبراجيوميتشل ) ، عام 1921 منطلق أن الأطفال يستمتعون أكثر بالأشياء المعروفة لديهم ، والمفهومة لهم ، من خلال تجاربهم المحدودة .. وكانت ترى أن الحكايات الخرافية للصغار تثيرهم ، وتجعلهم مضطـربين بدلا من أن تعينهم على أن يكونوا على وفاق مع عالمهم الذين يعيشـون فيه ، وكانت ترى أن الطفـل في حاجة – بداية – إلى أن يتعـرف على الأمور العادية قبل أن يدخل إلى دنيا الخرافات .
وكان العمل الثاني – الذي صدر كأنما هو رد على ذلك التحدي – هو كتاب كارل ساندربيرج "حكايات روتاباجا" وظهر عام 1922 ، ومؤلفه كان شاعرا له بعض شهرته ، ومن المحتمل جدا ألا يكون قد قرأ كتب " مسز ميتشل " ، لكنه كان على يقين من أن القصص المتاحة له لكي يقرأها لأطفاله لا تشبع احتياجاتهم ولا احتياجاته ، وبالذات لأنها تفتقر إلى الكلمات الشاعرية ، لكي تواجه تلك الجوانب اللامعقولة ، واللاواقعية ، واللامبررة في الحياة .
واستمرت المعركة ، ولا نظنها قد حسمت أو ستحسم بالكامل ، فنحن لم نعد نتقبل " التطرف " : إذ انتهى عهد رفض كل القصص الخرافية ، وعهد قبول قبول كل القصص الخرافية .. ولم تعد المناقشة مجدية ، طالما كان لدى الطفل الفرصة لكتب منوعة موضوعة بين يديه ، وقد أثبت الأطفال أن الطريق الأوسط سوى وممكن ، وكان دخول ( الكتب المصورة ) إلى الساحة عنصرا حاسما في المعركة ، وهى لا تعنى الكتب ذات الصور والرسـوم ، أو القصص التي تزداد صفحـاتها بلوحات ملونة ، لكن المقصود منها الكتب التي تكون فيها " الكلمة والصورة " وحدة متكاملة مؤثرة ، والرسم هنا ليس لإغراء الطفل واجتذابه ، وليس وسيلة توضيحية ، بل هو والكلمة ضفيرة واحدة لا انفصال ولا انفصام لطرف عن الآخر ..
ولمعت أسماء : كالدكوت ، كراين ، جرينوأي ، بروك ، وعدد آخر من الرسامين الأوروبيين ، وأصبح لهم في أمريكا جمهور كما لهم في كل مكان .. كانت رسومهم وفنونهم الرفيعة المستوى قد اجتذبت إليها الأنظار ، خاصة من جانب مصممي الكتب الذين اتجهوا إليهم لرسم كتب الأطفال .. وكانت الكتب التي رسموها – في الغالب أشعارا وقصصا شعبيا كلاسيكيا وعلى الرغم من ذلك ، ومن أنهم حاولوا أن يبرزوا تفاصيل النصوص الموضوعة بين أيدي الأطفال إلا أن كتبهم ظلت " كتبا مصورة " أي أن الرسوم فيها أكثر أهمية من النصوص .. بل أن الرسوم أحيانا تقول شيئا أكثر مما يقول النص ، وتذهب أبعد مدى منه .. وكانت " المتب المصورة " في أمريكا في تلك الفترة تجمع بين الكاتب والرسام يعطيا أفضل ما كتب عندهم ، يستطيع أحد أن يقول أي الجانبين كانت متعته أكبر .. وفي بعض الأحيان قد يتغلب طرف على آخر ، ولكنه لا يبخسه قدره ولا يقـلل من قيمته .. وكانت البداية كتاب ( الشاطر بل ) عن " وليم نيكلسون " وقد كتب ورسم في انجلترا ونشر في أمريكا عام 1927 ، ثم كتاب ( ملايين من القطط ) عن " واندا جاج " وصدر عام 1928 ، ثم توالت الكتب المصورة .. نعرف منها في العربية ( قصة فردناند ) رسوم " روبرت لاوسون " ، ثم " دكتور سويس " وكان الطابع المميز ، الغالب على هذه الكتب ، هو أن كتابها هم رساموها ، وكانت لديهم الموهبة للعملين معا .. وبعضهم كانت له خلفية من البلدان التي هاجروا منها إلى أمريكا فأثرت رسومهم لبلادهم تلك الكتب الصادرة في هذه الفترة .
وكانت انجلترا دائما لها السبق في مجال الفانتزى والخيال ، وليس من دليل على ذلك غير كتبها الشـهيرة : " أليس في بلاد العجائب ، مارى بوينز " وغيرهما مما أحبه الأطفال في أمريكا كما أحبوه في انجلترا ، وفي كل البلدان التي تقرأ الإنجليزية .. ولم يحل محلهم كتاب الخيال المرح والفانتزى الساخر الذين بدأوا يظهرون في أمريكا ، بل كل ما استطاعوه أن يشاركوا في احتلال جانب من قلوب القراء الصغار ، وأضاف كثيرون أبعادا جديدة للمتع التي يلقاها الأطفال حين يقبلون على هذا اللون من الكتب ، نذكر من بينهم بعض الأسماء :
روبرت لاوسون – روبرت ماكلوسكى – وليم باين دى بوا – جيمس تاربر – ريتشارد وفلورنس أتووتر .
وقد انتشرت القصص العائلية ، ولقيت الإقبـال في أمريكا وفي وغيرها .. واشتهرت نساء صغيرات – ترجمتها السيدة أمينة السعيد – وكان من الواضح أن هذا اللون من الكتابة يناسب الكاتبات ، ويتفوقن فيه كثيرا .. وكانت الأعمال تتمركز حول طفل ، لكن الأسرة تبدو من حوله متماسكة مترابطة .. والاحتياج لهذا اللون في العصر الحديث شديد ، لما أصاب الأسرة من تفكك ، نتيجة لما يصيبها من انفصام لترك الأبناء لها في سن مبكرة .
هذه قائمة بمن أهتم بالقصص العائلية فى الكتابة للطفل :
اليانور فرانسس لاتيمور ، اليزابيث كوتورت ، كـارولين هأي وود ، اليانور ايستيس ، اليزابيث اينريت ، اليزابيث جانيت جرأي ، كات سيردى ، هيلدا فان ستوكوم ، كارول برنك .
وتأتى قبل هؤلاء ، وقبل الجميع الكاتبة الرائعة خالدة الذكر : لورا انجلز ويلدر ، وأنها صاحبة سلسلة ( بيت صغير ) ، التي نجحت في أن تقدم للأطفال قصصا يشعرهم بالأمان والاطمئنان ، وحاجتهم إلى هذه المشاعر ماسة ، لذلك أقبلوا عليها في لهفة وحب .. وهناك البعض ممن حاولوا أن يستخدموا هذا اللون من الكتابة لكي يقدموا أطفال الطبقة العاملة ، أو أبناء الأقليات ..
دوريس جايتس ، لويز لينسكى ، فلورنس كرانول مينز ، لورا أرمير ، جريس مودن .
ونحن لا نستطيع أن نمضى على نفس المنوال إذا تحدثنا عن التاريخ ، والسير والعلوم والشعر ، وتطول قائمة الأسماء ، على أن الكثير من هذه الأعمال مازالت تطبع من جديد على مدى الثلاثين عاما الأخيرة ، حتى ليمكننا أن نقول أن طبعاتها لا تنفذ أبدا ، وهو أمر قد لا يدركه الذين يعيشون مثلنا خارج القارة الأمريكية ، بل قد لا يستوعبه الأمريكيون أنفسهم ، وذلك بجانب الكلاسيكيات الوافدة عليهم من شتى بلدان العالم ، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان وسط هذا الحشد – أن يعرف الآباء والمعلمون وأمناء المكتبات – ما يمكن أن يثير شهية الطفل للقراءة .. ولا يتأتى هذا إلا بمحاولة متابعة ما يصدر ، وكثير منها لا يبقى في الأسواق أكثر من عامين أو ثلاثة ، ثم يأتي طوفان جديد ، وليس أمام المعلمين وأمناء المكتبات في انجلترا والولايات المتحدة إلا أن يشهدوا فترة دراسية حول أدب الأطفال ليتأتى لهم الإلمام ببعض جوانب القضية ، وهو أمر لا يحتاجه زملاؤهم في البلدان الأخرى ، خاصة النامية منها .. والغريب أن ذلك لا يزعج الأمريكيين بل نراهم فخورين به ، وبالكلاسيكيات التي ظهرت في العشرينات والثلاثينات ، لأن أكثر من جيل يتابعها ، وانتهاء دور بعض الكتب ومدتها لا يشكل خطورة إذ أن غيرها يأتي على أثرها ، إنها تتدفق في مجرى يتجدد باستمرار ، خاصة وصناعة كتب الأطفال أصبحت تهم أعدادا كبيرة من الأشخاص المتصلين بالكتب وبالأطفال .
المصدر :
مركز تنمية الكتاب العربي - الهيئة المصرية العامة للكتاب
الحلقة الدراسية الإقليمية لعام - كـتب الأطفـال ومجـلادتهم في الدول المتقـدمة